من الذي أطلق على المدرب السابق لمنتخب الكرة لقب الجنرال؟ من الذي جعل لاعبين، بعضهم حفت الأقدام وجفّ الحلق لأجل إقناعهم باللعب للجزائر، في منصب أسمى من العلماء الذين ربط الله علاقتهم بجلالته بالخشية؟ من الذي حرم الطلاب والعمال من القطارات والحافلات، وخصّ لاعبي الكرة بطائرة خاصة تسري بهم نحو إسبانيا وتعرّج بهم نحو مراكش؟ ومن الذي تسبب في هجرة مئة ألف إطار جزائري إلى مخابر وجامعات ومستشفيات العالم.. وسعى ـ ومازال يسعى ـ لإقناع لاعب كرة لم تطأ قدماه أرضنا ولا يتكلم لسانه لغاتنا لأجل تقمص ألواننا؟
-
.. أسئلة تُورّطنا الإجابة عنها في ما صرنا نسمّيه بفضيحة مراكش، حيث أهين فريق كرة خصّه المتورطون فيه، وهم الشعب والدولة، بالتمجيد والمال، وعجز هو عن الرد بالفعل، أو بالقلب وذلك أضعف الإيمان، في لعبة صارت علما وصناعة قائمة بذاتها، تُنتج في كل دول العالم المال والمتعة، إلا عندنا فهي تحرق الثروة والأعصاب.
-
الذين خلصوا بعد نصف قرن من الاستقلال إلى القول بأن النفط هو نقمة وليس نعمة، عليهم أن يُضيفوا الكرة إلى قائمة النقمات التي ابتلينا بها، وعجزنا عن تحويلها إلى نعمة اجتماعية واقتصادية.
-
وعندما يتحد الشعب والدولة في تدعيم منظومة كروية فاشلة، بما يملكون من قوة معنوية ومالية، عليهم ألا يُحاسبوا بعد ذلك مدربا قدّم شبه خطة تكتيكية مُبهمة، ولاعبين تحركوا مثل عرائس الڤراڤوز، حتى لا يكونوا مثل جاهليي قريش الذين كانوا ينحتون من التمر آلهة يعبدونها زمنا من أعمارهم، ويأكلونها أزمانا أخرى.
-
وبالصريح المفهوم، من الذي سلّم لهذا المدرب سلطة القيادة؟ وأحضر هؤلاء الذين تتلمذوا في المهجر.. ولعب نصفهم بألوان المستعمر القديم، وبعد ذلك يتجرّأ ويجرّهم للمحاكمة بتهمة، هو الذي ارتكبها مع سبق الإصرار والترصد؟
-
الحزن الشديد المخيّم على الجزائريين منذ نهاية مباراة مراكش، هو الذي من المفروض أن يثير الغيض والحزن، لأن خساراتنا في المجالات الحياتية الحيوية بأكثر من رباعية، من المفروض أن لا يثير الحزن فقط، وإنما الذبحة الصدرية، فإذا كانت ثمرة الأموال القارونية التي خصّت منتخب الكرة قد جاءت مسمومة بالنتيجة والأداء، فإن إهمال بقية الرياضات وبقية القطاعات الحساسة، من صناعة وفلاحة وتعليم وثقافة، يجعلنا في قمة التشاؤم، خاصة أن لا أحد أصيب بدوار الرأس أو مجرد الانزعاج في حالات الخسارة الحقيقية، كما أصيب في خسارة مراكش التي هي بالتأكيد مذلة.
-
لست أدري لماذا نتهم فاشلا في عالم التدريب أو متخاذلا في مركز الدفاع أو قلب الهجوم باللاوطنية.. ولا نتهمّ أطباء بذات التهمة وأمراض القرون الوسطى صارت تقتل مرضانا.. ولا نتهم أساتذة يبيعون العلم في دهاليز واسطبلات الدروس الخصوصية، ولا نتهم تجارا إذا اكتالوا على الناس يستوفون، وإذا كالوهم أو وّزنوهم يُخسرون، ولا نتّهم مسئولين جعلونا أفقر الناس في أغنى البلدان!!؟
-
قد يكون المنتخب الوطني خسر برباعية مذلة، رغم ما توفّر له من دعم مالي ومعنوي سُلطوي وشعبي، لكن خسارتنا بالرباعية والخماسية والمليونية في مجالات كثيرة حيوية، هي التي من المفروض أن تشغلنا، فالإنسان بإمكانه أن يعيش بلا كرة وبلا كأس العالم، كما عاشت أمم قوية في السابق، وكما تعيش حاليا أمريكا والصين وروسيا والهند، ولكنه أبدا لا يمكنه أن يعيش بلا اقتصاد ولا ثقافة ولا علم ولا روح.